skip to Main Content

أعلام العائلة: (محمد طه سكر)
المصادر: خالد بركات , محمد أرنبة

الشريف الفقيه القارئ الجامع المقرئ الشيخ محمد بن طه سكر الصيادي الرفاعي الحسيني واحد من شيوخ القراءات العشرة.

ولد شيخنا في دمشق في حي العفيف بمنطقة الصالحية سنة 1340هـ الموافق 1922م لأبوين صالحين، وتوفي والده وهو في الخامسة من عمره، فنشأ يتيماً برعاية والدته الكريمة وإخوته، وكان أصغر إخوته، وقد حضر الشيخ الصلاة على والده في جامع الشيخ محيي الدين فأحبّ المسجد من وقتها.

وكان سببَ حفظه للقرآن الكريم الحديثُ الذي سمعه من الشيخ علي التكريتي (ت1361)في «كتاب مشكاة المصابيح» عند فضل القرآن، فقامت والدته بتحفيظه القرآن الكريم، فأتمّ حفظه وهو في الخامسة عشر من عمره.

وبعد ذلك ذهب الشيخ إلى الجامع الأموي لحضور صلاة التراويح بجزء كامل كل يوم خلف الشيخ ياسين الجويجاتي(ت1384) في مشهد الحسين، فسأله الشيخ ياسين عن سبب حضوره فقال: لأُمكّن حفظي، فسمع قراءته، ووجّهه إلى الشيخ محمود فائز الديرعطاني (1385) في جامع التوبة ليقرأ عليه ختماً بالتجويد والإتقان، فقرأ عليه ختماً كاملاً بالتجويد والإتقان برواية حفص عن عاصم، وكان خلال ذلك يحفظ متون القراءات، وبعد ختمه القرآن على الشيخ أسمعه الشاطبية والدرّة كاملتين، ثم قرأ القراءات العشر إفراداً لكل راوٍ ختمة كاملة، ثم شَرَعَ بجمع القراءات مع استحضار شواهدها من الشاطبية والدرّة، وكان يقرأ معه الشيخ أبو الحسن الكردي حفظه الله تعالى، فكان الأول منهما يقرأ ربعاً ويستمع إليه الآخر، ثم يعيد الآخر الربع ويسمعه الأول.

وبعد ذلك انضمَّ الشيخ إلى مجلس القرّاء الذي أسَّسه الشيخ حسن حبنكة الميداني (ت1398) في جامع منجك في الميدان، والذي كان يضم كلاً من الشيخ حسين خطاب، والشيخ كريم راجح، والشيخ أبي الحسن الكردي، والشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ خليل هبا،(1343ـ 1428) والشيخ قاسم هبا.

– علومه: درس الشيخ رحمه الله في المدرسة الكامليَّة حتى تخرّج فيها وكان ذكياً نبيهاً.

وحضر الشيخ دروس الشيخ علي التكريتي فقرأ عليه بعض العلوم ككتاب«مشكاة المصابيح» للتبريزي في الحديث.

وقرأ على الشيخ صالح العقاد(ت1390) (الشافعي الصغير) الفقه الشافعي.

– منهجه في الإقراء: كان متميِّزاً في الضبط والإقراء والتدقيق، فكان يقرأ المبتدئ معه الفاتحة حتى يُتقنها، ثم يشرع بقراءة جزء عمّ من آخره إلى أوله سورة سورة، ولا ينتقل إلى سورة حتى يتقن التي قبلها ولو لعدَّة جلسات. ثم إذا انتهى من إتقان جزء عمَّ شرع بقراءة القرآن الكريم من أوله، فمنهم مَنْ يكرمه الله تعالى فيتم القراءة ويختم، ومنهم من تقصر همَّته عن ذلك فيتوقف عن القراءة، ومنهم من يكرمه الله تعالى فيجمع عليه القراءات العشر.

وكان يبدأ مجلس الإقراء بمن يجمع القراءات أولاً ثم بمن جاء أولاً.

وكان الشيخ رحمه الله تعالى ينصح بعض الإخوة باستعمال المرآة لضبط المخارج، وكذلك باستعمال المسجّلة ليسجّل قراءته ويستدرك أخطاءه.

– دروسه: كان الشيخ رحمه الله تعالى يُقرئ بشكل أساسي في جامع الشيخ محيي الدين بن عربي بعد صلاة الفجر وبين المغرب والعشاء كل يوم عدا الثلاثاء، فكان يحضر بعد الفجر مجلس القرّاء، وبعد المغرب جلسة الإقراء التي أسسها الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت (ت 1389)رحمه الله يحضرها التُّجَّار وبعض منهم من الحفظة، وما زالت قائمة إلى الآن.

وكان للشيخ مجالس أخرى للإقراء فأقرأ في منزله في حي العفيف، وفي مسجد الخياطين، وفي مسجد نور الدين الشهيد، وفي جامع التوبة، وفي جامع أبي النور.

فكان وقت الشيخ مشغولاً بالإقراء صباحاً ومساءً، وفي كل مكان يحلّ فيه سفراً وحضراً.

وكان للشيخ درس في التفسير ودرس في الفقه في جامع الشيخ محيي الدين بن عربي، وكذلك له درس في التجويد وفي شرح الشاطبية.

– تلاميذه: تخرّج على يديه عدد كبير من الحفّاظ المتقنين والحافظات المتقنات ومنهم أهل بيته فلم ينشغل عنهم، فقرأ عليه أولاده وأجيز بعضهم منه، ووجّه ابنيه هشاماً وطه للقراءة على الشيخ أبي الحسن فأجيزا منه.

وعدد ممن قرأ عليه جمع القراءات العشر، نذكر منهم:

الشيخ عمر ريحانة (رحمه الله تعالى)، والشيخ الدكتور محمد سامر النص (صهره)، والشيخ الدكتور أحمد تقي الدين، والشيخ الدكتور عادل أبو شعر، والشيخ ماهر المنجد، والشيخ خالد عبد السلام بركات، والشيخ محمد أرنبة، والشيخ الدكتور محمد خالد العلبي، والشيخ أنس الهبري، والشيخ محمود المقدم، والشيخ بشار عيتاني، والشيخ عزت الخجا.

وظيفته وعمله: كان مديراً وإماماً في جامع الشيخ محيي الدين بن عربي.

وكان يعمل تاجراً في سوق الخياطين.

صفاته وأخلاقه: كان مهيباً، وقوراً، يتلألأ النور من وجهه، يهابه من يراه، ويأنس به من يجالسه، وكان حسن المعشر لطيفاً.

– كان متواضعاً مع الكبير والصغير، وكان يقول: قرأ معنا، ولا يقول: قرأ علينا.

– كان يخاطب تلاميذه بأدب واحترام فيقول: الشيخ فلان، ولا يناديه باسمه.

– ولا يسأل أحد طلابه عن اسمه، ويقول: ليس لي مصلحة مع أحد.

– وكان يقول لطلابه: جزاكم الله خيراً، فإنكم إن لم تقرؤوا معنا فمع مَنْ سنقرأ؟.

– كان شديد الأدب والاحترام للعلماء، ولا يرضى لأحد أن يتكلم على أحد العلماء بانتقاد.

– كان لا يتغيب عن دروسه إلا في حال المرض الشديد أو السفر، وإذا تغيب يوكل غيره بالإمامة والإقراء.

– وكان شديد الحرص على الوقت، فلا يتأخر، ولا يرضى لأحد أن يأتي متأخراً.

– كان شديد الاهتمام والتعظيم لكتاب الله تعالى وتعليمه، ولا يرى لأيِّ علم فضل على القرآن. وقد طلبتُ منه مرة أن أقرأ أولاً لأدرك درساً آخر فغضب وقال: أليس هذا درساً؟!

– كان يغضب ممَّن يصفه بالتشديد، ويقول: إنها أمانة التلِّقي.

– كان لا يتقاضى أي راتب لقاء إقرائه، ولم يتقاضَ أي راتب من الأوقاف، ويقول: إنه ليس بحاجة.

– كان لا تأخذه في الله لومة لائم، شديد الغضب عند انتهاك حُرمات الشرع.

– كان لا يتعامل مع أيٍّ من المسؤولين ولم يقف ببابهم.

– كان كريماً خيّراً منفقاً، يساعد بعض تلاميذه سراً.

– وكان يُكرم مَنْ يختم عليه فيصنع له مأدُبة أو بعض الحلويات.

– كان مثالاً للأناقة والهيئة الحسنة والترتيب.

جرت مع أحد الإخوة حادثة، وهي أنه كان يحضر جلسة الإقراء مساء الثلاثاء، وكان مريضاً لا يستطيع الجلوس على حالة واحدة طويلاً لمرضٍ في قدمه. وكان الشيخ يعتذر عن الجلسة في رمضان.

فرأى هذا الرجل في المنام أنه في جلسة الإقراء وأنه استأذن من الشيخ في القراءة أولاَ لوجعه، فقال الشيخ: عندما ينتهي الأول. وبعد انتهاء الأول أشار الشيخ إلى آخر بالقراءة ولم يقرئه، فوجد الرجل في نفسه، فالتفت الشيخ إليه وقال: ألا يكفيك أنه تستطيع تحريك قدمك؟! فاستيقظ الرجل من النوم فرأى أن قدمه أصبحت صحيحة ليس فيها أيُّ ألم (وهذا الرجل شيخ معروف).

عندما توفي الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت (ت1389)طلب ابنه من الشيخ محمد سكر أن يقرأ عليه لأنه لم يقرأ على والده. فكان الشيخ محمد سكر يذهب إليه في بيته ليقرئه وفاءً واحتراماً للشيخ. وقد قرأ مرة فكانت الحصَّة التي قرأها تحتاج إلى إعادة، فطلب منه الإعادة، فوجد في نفسه، فرأى والده في المنام وقال له: “اسمع كلمة الشيخ وسلّم عليه& quot;.

رأى الشيخ قبل وفاته الشيخ محيي الدين بن عربي في المنام فقال له: (حجزنا لك عندنا).

فعند ذلك أوصى الشيخ ابنه أن يدفنه بجواره إذا تُوفي، وكان ما أوصى.

وفاته:

توفي رحمه الله فجر يوم الأربعاء 12 شعبان 1429 هـ الموافق له 13/8/2008م، وحضر جنازته جموع كبيرة من المصلين والعلماء، وصُلي عليه في الجامع الأموي عقب صلاة العصر، وصلّى عليه الشيخ أبو الحسن الكردي وألقى الشيخ كريّم راجح كلمة تأبين بعد الصلاة عليه، ثمّ شُيِّع إلى مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي، ودُفن بجواره في القبر الذي كان مدفوناً فيه الأمير عبد القادر الجزائري الذي نُقل رُفاته إلى الجزائر بعد استقلالها.

وكان عزاء أهله في جامع العثمان (الكويتي) في ساحة الميسات أيام الأربعاء والخميس والجمعة بعد المغرب، وحضرها عدد من العلماء الذين ألقوا كلمات التأبين.

Back To Top