عن دمشق
هي إحدى أعرق المدن الموجودة ليس في الوطن العربي وحسب بل في العالم بأسره، فقد كانت دمشق منذ القدم مهداً للعديد من الحضارات، وقد كانت أيضاً وما زالت إحدى أقدم العواصم في العالم.
كانت مدينة دمشق عاصمةً للعديد من الحضارات حتى أصبحت في زماننا الحالي عاصمةً للجمهورية السورية، فقد ولد وتعلم على أرض دمشق العديد من العظماء عبر التاريخ الإنساني، وقد أطلق عليها العديد من الألقاب المختلفة كمدينة الياسمين لكثرة الياسمين فيها واشتهارها به، وتعد مدينة دمشق أيضاً أقدم مدينة مأهولةٍ بالسكان، أيّ أنّه منذ استيطان دمشق للمرة الأولى لم يتم هجرها مطلقاً.
بداية دمشق
توجد بعض الأدلة والآثار الموجودة في دمشق والتي ترجح استيطانها قبل عشرات الآلاف من السنين، أمّا زيادة حركة العمران في دمشق فتعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد.
أمّا في الفترة الآرامية التي مرت بها سوريا فقد كان لدمشق أهمية كبيرةٌ، فبدأ نجم هذه المدينة باللمعان في تلك الفترة، حيث قام الآراميون بتطوير طرق الري، وتوزيع المياه ممّا أدى إلى تطوير الزراعة في دمشق وازدياد عدد السكان فيها، واشتهرت المدينة أيضاً في تلك الفترة بأنها مركز تجاريّ وثقافي.
مراحل تاريخ دمشق
مرت دمشق بمراحل تاريخية مهمة ومنها:
سيطرة الرومانيين على دمشق
قام الإسكندر الأكبر بالسيطرة على دمشق، وبعد وفاته أصبحت دمشق محلّ صراعٍ بين العديد من الإمبراطوريات المختلفة، فانتقل حكمها من إمبراطوريةٍ لأخرى، حتى سيطر الرومان عليها في عام 64 قبل الميلاد، واكتشف الرومان الأهمية الكبيرة لهذه المدينة فجعلوها إحدى المدن العشرة أو كما تعرف بالديكابولس.
هذا التحالف أنشأه الرومان لعشر مدن في منطقة بلاد الشام، بحيث كانت هذه المدن قريبةً من بعضها البعض من حيث العمارة والثقافة وغيرها، فتحمل هذه المدن إلى عصرنا الحالي طابعاً رومانياً كبيراً في بنائها، وقد كانت هذه المدن ذات أهميةٍ كبيرةٍ أيضاً في الدفاع عن الإمبراطورية الرومانية.
الفتوحات الإسلامية في دمشق
بدأت الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكرٍ الصديق، واستمرت حتى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وتمّ فتح دمشق على يد خالد بن الوليد في عام 635 ميلادي، حتى أحس البيزنطيون بفقدانهم للسيطرة على مناطقهم وتوسع النفوذ الإسلامي، فقام الجيشان بالتحضير لمعركة اليرموك والتي حدثت عام 636 للميلاد، وانتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد فاستقر فيها الولاة بعد ذلك.
الخلافة الأموية في دمشق
أصبحت مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية بعد عام الجماعة، وكان العصر الأموي هو العصر الذي ازدهرت فيه دمشق، وكانت المكان الأفضل في العالم بأسره، فقد كانت مركز الخلافة الأموية وخاصةً في عهد عبد الملك بن مروان وأحفاده.
كما كانت هذه المدينة مزدهرةً من كلّ النواحي الاقتصادية، والإدارية، والتجارية، والعمرانية وغيرها العديد، فبني في ذلك العهد الجامع الأموي الذي يعدّ من أشهر معالم مدينة دمشق.
الخلافة العباسية في دمشق
لقد سيطر العباسيون على الخلافة بعد حصارهم لدمشق لمدة شهر ونصف، فاقتحم العباسيون هذه المدينة وارتكبوا فيها العديد من المجازر، وبعدها أصبحت المدينة معقلاً للعديد من الثورات على الخلافة العباسية؛ بسبب الفظائع التي كانت ترتكب بحقّ أهلها، وتوالت العديد من الممالك والدويلات عليها بعد ذلك كالطولونيين، والإخشيديين، والفاطميين، وأخيراً دولة السلاجقة، حتى قسمت هذه الدول إلى عدد من الدويلات منها دمشق السلجوقية.
كما كانت هذه المدينة معرضةً بشكلٍ دائمٍ للغزو خلال الحملات الصليبية، ولكن لم يتحقق ذلك حتى قام صلاح الدين الأيوبي بالقضاء على الصليبيين فتبعت دولته وأصبحت دولةً أيوبيةً مستقلةً بعد وفاته.
المماليك في دمشق
أمّا في عهد المماليك فقد كانت دمشق ثاني أهمّ المدن بعد القاهرة؛ بسبب موقعها الاستراتيجي وغنى أرضها، وقام المغول بمحاولاتٍ كثيرةٍ للسيطرة عليها حتى نجحوا في ذلك بقيادة تيمورلنك، فأحرقوا المدينة ومن ضمنها الجامع الأموي، وقتلوا العديد من أهلها وسبوا آخرين.
كما كانت دمشق من ضمن المدن التي أصيبت خلال عهد المماليك بالجوع والطاعون؛ بسبب عدم اهتمام المماليك بالزراعة والأمن، فاهتم كلّ حيٍّ بالدفاع عن نفسه وتسليح أهله، وقام نموٌ اقتصاديٌّ كبيرٌ بظهور العديد من الأسواق كسوق ساروجة، وفي أواخر عهد المماليك أيضاً كانت دمشق مركزاً مهمّاً للصوفية، فظهر منها العديد من العلماء والمفكرين وغيرهم خلال تلك الفترة.
الخلافة العثمانية في دمشق
لقد كانت دمشق ذات أهميةٍ كبيرةٍ خلال الحكم العثماني، فرُمم الجامع الأموي والعديد من المناطق الأخرى فيها كحي الصالحية وغيرها، وأنشأوا التكية السليمانية، وتوالى خلال فترة الحكم الأولى للعثمانيين على دمشق العديد من الولاة، فوصلوا في أول قرنٍ ونصف ما يقارب 138 والٍ.
كانت دمشق أيضاً مركزاً للقوافل التجارية، وعلى مستوى عالٍ من الرفاهية خلال عهد إسماعيل باشا أفضل الولاة الذين مروا على دمشق في العصر العثماني، حيث شيد قصر العظم.
استمر تعاقب الولاة العثمانيين، فمنهم المصلح، ومنهم المفسد والظالم كأحمد باشا الجزار والذي أصاب أهل دمشق بالفقر من الضرائب وكثرتها وأصيبت خلالها دمشق بالقحط.
كما أنّ دمشق شهدت مجازر عام 1860، والتي كانت امتداداً لأحداث لبنان، فقتل خلالها العديد من المسيحيين في دمشق ودمرت حارة النصارى وغيرها من الكنائس القديمة والمدارس التبشيرية على يد جماعات درزية متعاونة مع العثمانيين، إلّا أنّ العديد من المسلمين قاموا بإيواء المسيحيين من أمثال عبد القادر الجزائري.
مرت على دمشق عهودٌ من الولاة المصلحين، كمدحت باشا فنهضت دمشق في عهده، حيث تأسست بعض المعالم كجامعة دمشق، بأمرٍ من السلطان عبد الحميد الثاني، بالإضافة إلى سكة حديد الحجاز، وظهور العديد من الصحف والمجلات العربية فيها وغيرها العديد.
أمّا معاناة دمشق فقد كانت كبيرةً جداً في أواخر العصر العثماني في عهد جمال باشا السفاح، الذي أسس ديوان الأحكام العرفية فيها وأعدم سبعاً من وجهائها، حتى انسحاب القوات العثمانية منها ودخول قوات الثورة العربية الكبرى فيها، وإعلان الملك فيصل بن الحسين المملكة العربية السورية.